عبد الغني مزوز
في 31 من مايو الماضي أعلنت القيادة الأمريكية في إفريقيا تنفيذ غارة جوية استهدفت قادة كبار في تنظيم داعش في الصومال، بينهم زعيم التنظيم هناك المدعو عبد القادر مؤمن. وقعت الغارة في منطقة نائية على بعد 50 ميلا جنوب شرق بوساسو، حيث يتركز الوجود المحدود لتنظيم داعش في الصومال.
ورغم أن القيادة الأمريكية في إفريقيا لم تستطع الجزم بمصير عبد القادر مؤمن، وما إذا كان واحدًا من الثلاثة الذين قضوا في الغارة، إلا أن المفاجأة أتت من تصريحات المسؤولين الأمريكيين الذين أكدوا بعد أسبوعين لشبكة NBC News أن "الغارة الجوية في شمال شرق الصومال استهدفت الزعيم العالمي الجديد لداعش".
من هو عبد القادر مؤمن؟
صعد نجم عبد القادر مؤمن في السنوات الأخيرة داخل داعش، وبات يتمتع بنفوذ كبير وصلاحيات واسعة، فمن يكون هذا السبعيني ذو اللحية الحمراء، والسحنة السمراء؟
ولد عبد القادر مؤمن (على الأرجح) سنة 1953 ببلدة قندلا في إقليم بونتلاند شمال الصومال. أمضى الرجل قسطًا كبيرًا من حياته في أوروبا، متنقلاً بين السويد التي قضى فيها أكثر من 10 سنوات، وبين لندن وليستر، حيث أصبح خطيبًا مفوهًا في مساجد المدينتين، واستقطبت كلماته الحماسية، التي تمجد العنف وتحرض على سفك الدماء، عددًا من المتطرفين، بعضهم سيترك بصمة بارزة في السجل الدموي لداعش مثل محمد جاسم إموازي أو "الجهادي جون"، ذباح داعش سيء الصيت.
في 2010، فر مؤمن إلى الصومال، بعد شروع السلطات البريطانية في التحقيق معه على خلفية خطبه التحريضية، وعقب وصوله أحرق جواز سفره البريطاني وسط حشد من مؤيديه في أحد المساجد، وانضم إلى حركة الشباب المجاهدين التي كانت حينها في ذروة توسعها، وتسيطر فعليًا على معظم أجزاء العاصمة مقديشو.
استقر مؤمن في أقصى شمال شرق الصومال، وكلفه مختار أبو الزبير بقيادة خلايا حركة الشباب هناك، مستفيدًا من علاقاته العشائرية ونفوذه الواسع في مسقط رأسه.
بعد حوالي عام ونصف من إعلان البغدادي قيام ما سماها "الخلافة الإسلامية" ودعوته كافة الجماعات المسلحة في العالم إلى مبايعته، وبالضبط في أكتوبر 2015 قرر عبد القادر مؤمن إعلان ولائه لداعش. ولأن وجوده مع أتباعه منحصر في أقصى شمال بونتلاند في منطقة جبلية وعرة، فقد نجى بالتالي من حملات التصفية التي شنتها الحركة ضد الموالين لداعش في وسط وجنوب الصومال.
في 11 من أغسطس 2016 صنفت الولايات المتحدة عبد القادر مؤمن كإرهابي من نوع خاص، وفي 17 من أبريل 2018 صنفت جماعته كمنظمة إرهابية تابعة لداعش.
أدواره في داعش
شيئًا فشيئًا أخذ نجم عبد القادر مؤمن داخل داعش في الصعود، وأسندت إليه أدوار حيوية، رغم أن الفرع الصومالي يعتبر من أضعف الفروع من الناحية العملياتية، وأقلها قابلية لتنفيذ هجمات مميتة في الوقت الراهن.
ساد اعتقاد خاطئ مفاده أن مؤمن هو والي داعش في الصومال، لكن في الواقع أدواره وصلاحياته أكبر من صلاحيات الوالي، ودأب على توجيه تعليماته وأوامره إلى والي داعش في الصومال حسب وثائق ومراسلات التنظيم الداخلية.
يرأس مؤمن مكتب الكرار وهو المكتب المسؤول عن إدارة نشاطات داعش في القرن الإفريقي ووسط إفريقيا والموزمبيق، وتوسع مؤخرًا نطاق سلطته ليشمل اليمن أيضًا، وربما فرع داعش في غرب إفريقيا والساحل بعد الغموض الذي ما زال يلف مصير أبو مصعب البرناوي زعيم داعش في نيجيريا وأمير مكتب الأنفال والفرقان بعد دمجهما في مكتب واحد.
إضافة إلى سلطته على زعماء داعش في إفريقيا واليمن، يضطلع عبد القادر مؤمن بدور أساسي في اقتصاد الإرهاب الذي عوض نضوب ميزانية تنظيم داعش عقب هزيمته في العراق وسوريا، وتوقف الموارد التي يجنيها من تجارة النفط والآثار وغيرها.
فمن خلال ابتزاز التجار ورجال الأعمال والشركات، والانخراط في نشاطات التهريب وجباية الضرائب، وعمليات السلب والنهب التي يقوم بها رجاله في الصومال، استطاع مؤمن تأمين موارد مالية طائلة، زادت عن حاجته، فقام بوضعها رهن إشارة القيادة العليا للتنظيم في العراق وسوريا، وشرع عبر شبكة معقدة من محلات الصرافة والمحافظ الرقمية وغيرها من وسائل تحويل الأموال في ضخ فائض ميزانيته إلى ولايات داعش الأخرى.
ووفقًا لتقرير صادر في فبراير 2023 عن فريق مراقبة وتعقب التهديد الجهادي العالمي التابع للأمم المتحدة، فقد دأب مكتب الكرار الذي يرأسه مؤمن على إرسال دفعات مالية إلى عدد من ولايات داعش في أنحاء العالم منها ولاية خراسان التي "يرسل إليها شهريًا حوالي 25000 دولار بالعملات المشفرة"، وأن الكرار "يجمع حوالي 100000 دولار شهريًا عن طريق ابتزاز صناعة الشحن والضرائب غير المشروعة".
عبد القادر مؤمن يتدخل في شؤون الولايات الأخرى، إما بوصفه إداريًا مشرفًا على الأمور التنظيمية، ومكلفًا من "الإدارة العامة للولايات" بالتنسيق بين قيادة تنظيم داعش في العراق وسوريا وبين ولاياته في إفريقيا واليمن، أو بوصفه مفتيا في القضايا والنوازل الشرعية التي تعرض لهذه الولايات. وقد حظر على أفراد التنظيم في اليمن التواصل مع الشيوخ الذين لم يبايعوا داعش، وطلب من "والي اليمن" موافاته بتقرير مفصل عن ملابسات تواصل عناصره مع شيوخ غير محسوبين على "الخلافة".
الخليفة الجديد
هل يمكن أن تصل مؤهلات وأدوار عبد القادر مؤمن إلى المستوى الذي يصبح فيه "خليفة" وزعيم داعش؟
في الواقع، مقتل الزعماء الأربعة لداعش وما أحاط بمقتلهم من حيثيات يجعلنا لا نستبعد مطلقًا أي فكرة عن مكان وهوية الزعيم الحالي لداعش مهما بدت الفكرة جامحة وبعيدة عن الواقع.
من كان يتوقع أن البغدادي كان مختبئًا في إدلب، معقل هيئة تحرير الشام، وفي عقر "دار الردة" التي حرم على أتباعه العيش فيها؟ ومن كان يتوقع أن أبا الحسن الهاشمي، يعيش في أقصى الجنوب السوري، في قرية يتقاسم السيطرة عليها خليط هجين من الميلشيات الموالية والمعارضة لبشار الأسد، حتى الذين أجهزوا عليه لم يكونوا يعلمون أنهم قتلوا لتوهم رأس داعش.
لا شك أن الإدارة الأمريكية مقتنعة أن عبد القادر مؤمن هو الزعيم العالمي الجديد لداعش. مسؤول كبير في وزارة الدفاع صرح لشبكة NBC News قائلاً: "قيادات داعش رأت في إفريقيا المكان الذي يجب أن يستثمروا فيه وحيث يمكنهم العمل بشكل أفضل وأكثر حرية، ويريدون توسيع خلايا التنظيم هناك، فأحضروا الخليفة إلى تلك المنطقة".
من جهة أخرى أكدت قناة "فضح عباد البغدادي"، التي يديرها منشقون عن داعش، أن عبد القادر مؤمن هو الزعيم الحالي لداعش، ونقلت القناة عمن سمتهم "إخوة أتقياء من الصومال" أن "أبي حفص الهاشمي القرشي هو عبد القادر مؤمن وأنه تولى الخلافة بعد مقتل أبي الحسين الحسيني".
لو عدنا إلى الحيثيات التي واكبت اعتراف داعش بمقتل زعيمها الرابع أبي الحسين الحسيني وتعيين أبي حفص الهاشمي خليفة له، سنجد أن التنظيم استغرق أكثر من ثلاثة أشهر قبل أن يعلن عن أميره الجديد. لقد كان واضحًا تمامًا أن التنظيم كان يواجه أزمة نقل القيادة، فهل كان ذلك التأخير سببه المداولات العسيرة التي أفضت إلى تنصيب عبد القادر مؤمن؟ أو ربما تحفظ جهات في التنظيم عن هذا التعيين، واستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإقناعها بوجاهة القرار.
لا شك أن ثمة "فيتو" غير معلن يقضي بأن لا يتولى منصب زعيم التنظيم شخص غير عراقي، وهو الفيتو الذي عبر عنه حجي حامد بعبارته الشهيرة "والله ما ننطيها". لكن واقع أن كل القيادات العراقية قد قضت نحبها في السنوات الأخيرة لم يترك خيارًا آخر للتنظيم سوى البحث عن بدائل في بلدان أخرى، أو المغامرة بتعيين شخصيات عراقية مغمورة لا يدري أحد شيء عن تاريخها وارتباطاتها أو نواياها حتى.
أمر آخر وجب التنويه إليه في هذا السياق وهو أن "ولاية الشام" باتت خارج حسابات قادة التنظيم الآن، وبات وصف "الولاية المخترقة" لصيقًا بها، بعد عمليات الاغتيال والاعتقال التي طالت جل زعماء التنظيم فيها بمن فيهم "الخلفاء" الأربعة. وقد كف التنظيم عن إسناد المهام الحساسة إلى الفرع الشامي، ويمكن ملاحظة ذلك في عملية اغتيال أبي مارية القحطاني التي نفذتها خلية عراقية.
أما مسألة النسب القرشي الذي يشترطه التنظيم لمن يريد أن يتولى زعامته، فعبد القادر مؤمن ينتمي إلى عشيرة المجرتين التي يمتد نسبها إلى عقيل بن أبي طالب، وهو بالتالي هاشمي قرشي النسب.
إذن، فكل الاحتمالات واردة، وقد عين تنظيم داعش سابقًا عبد الله قرداش ذا الساق الواحدة رغم عدم أهليته البدنية، وهي من شروط استحقاق منصب "الخليفة". وإذا كانت ولاية الشام مخترقة وولاية العراق غير آمنة وولاية اليمن آفلة وولاية خراسان مارقة فلن يبقى لداعش سوى ولايات إفريقيا، ولا يوجد في إفريقيا من يداني "عبد القادر مؤمن" في النفوذ والتأثير.